بن مبارك لصحيفة “إندبندنت عربية” : رفع الحوثي من قوائم الإرهاب الأميركية كان “حمّى انتخابات”

حاوره الصحفي: توفيق علي

بعد انتهاء مؤتمر منتدى شباب العالم التقيت بوزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك الذي شارك في المؤتمر بالنيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي، قبيل توجهه إلى الرياض، فرحب بي وبدأت بالأسئلة فكانت إجاباته حفاوة لا تقل عن حرارة الاستقبال، إذ يبرز اسم ابن مبارك بشكل واسع في الآونة الأخيرة كوجه الدبلوماسي أمام المستجدات السياسية والعسكرية على المشهد اليمني، وهو ما كان في مقدم أسئلتنا له.

وتطرقنا أيضاً للمشهد العام ثم ناقشنا كواليسه وما يعتمل خلف المشهد الحاضر وأحداثه الملتهبة ولاعبيه البارزين.

بدا الوزير متفائلاً بواقع أفضل لـ “القضية اليمنية” على الصعيدين السياسي والعسكري، مع بوادر واعدة عن “تقارب كبير بين مختلف القوى السياسية الوطنية نحو مشروع استعادة الدولة في مناهضة الانقلاب الحوثي”، كما قال الوزير.

السلم حاضر كالحرب 

كانت أجندة الحوار متشعبة تحاول أن تحصي روزنامة حقيبته الدبلوماسية التي يجول بها عواصم العالم ممثلاً لشرعية تواجه كثيراً من التحديات التاريخية غير المسبوقة حتى من داخلها، فضلاً عن اللوم الشعبي، ولكننا سعينا إلى أن نبدأ مستأنسين بحديث الساعة في ضوء القراءة العامة إزاء التطورات العسكرية والتقدم الميداني للشرعية على حساب ميليشيات الحوثي في كل من مأرب وشبوة (شرق البلاد)، وما يتردد عن اتجاه الشرعية والتحالف الداعم لها نحو “الحسم العسكري” حتى الوصول إلى “حرية اليمن السعيد”، بعد استنفاد الحلول الدبلوماسية التي يقابلها الحوثي بتصعيد عسكري متنام لا يتوقف.

ولكن الوزير اليمني قال إن “المسار السياسي حاضر في خطابنا ونهجنا، ونؤكد على الدوام أن معالجة سياسية للأزمة تختصر كثيراً من القضايا، وفي النهاية لا بد لجميع الأطراف من الجلوس على طاولة الحوار لحقن دماء وتقليل كلفة القضية”.

يستدرك بالإشكال الذي يرى أنه يتمثل في الحوثيين لأنهم “منذ اليوم الأول وهم أصحاب الخيار العسكري وإشعال هذه الفتنة، ورفض دعوات السلام وصوت العقل منذ انقلابهم 2014”.

الهرب إلى القتال

يتطرق ابن مبارك إلى سلسلة المشاورات التي عقدت مع الحوثيين برعاية أممية، وآخرها ما شهدته الأروقة السياسية أخيراً، “منذ فبراير العام الماضي ونحن نتحدث عن مبادرات سلمية لإنهاء الحرب فيما الحوثيون يشنون حرباً شعواء إجرامية على مأرب، ويراهنون على اجتياحها بناء على قناعة أن إسقاطها سيقود إلى حسم الأمور بالنسبة إليهم، وبالتالي فإن أي تسوية سياسية ستكون في مصلحته، ولهذا كانوا خلال جولات الحوار الست (جولات مفاوضات السلام منذ بداية الحرب عام 2015) كلما اقتربنا من بوادر الحل السياسي يختلقون أعذاراً ويهربون”.

عقيدة لا تقبل الغير

في هذا الإطار، يخلص إلى أن “الحوثيين ليسوا جاهزين للسلام مطلقاً، واستراتيجياً هم لا يريدون تحقيق السلام، ولهذا يدرك اليمنيون وكل العارفين بطبيعة العقيدة الحوثية أنها عقيدة لا يمكن بأي حال أن تتعايش مع الآخر أو تقبل به، لذلك نحن منذ اليوم الأول لهذه الحرب أكدنا أن هدفنا هو الدفاع عن الدولة، وهذا حق دستوري والناس تدافع عن مدنها وأرضها وثوابتها”.

وقبالة الرفض الحوثي للسلام “سيدافع اليمنيون عن مدنهم، ففي مأرب من يقاتل هم أبناء مأرب والهاربين من بطش الحوثي من كل المحافظات، وكذلك الحال بشبوة التي كانت مستقرة ونموذج جيد للأمن وحققت كثيراً من الإنجازات حتى هاجمها الحوثي وسيطر على مديريات بيحان وعسيلان وعين، ومنها إلى حريب والجوبة، فواجهه الناس وقوات العمالقة واستعادوا مدنهم، وأي مدينة يدخلها الحوثي سيستعيدها أبناؤها”.

اليمن السعيد… تعاف كبير

بشيء من الانتشاء الملحوظ، يتطرق المسؤول اليمني لإعلان التحالف العربي عملية “حرية اليمن السعيد” التي يعتبرها “مؤشراً إلى تعاف كبير في المشهد السياسي والعسكري، ونلحظ من خلاله أن هناك كثيراً من التطورات الإيجابية التي جرت”.

ثمار اتفاق الرياض

وفي خضم استرساله عن وصف التغيرات الميدانية التي أشاد بها المسؤول اليمني، يرى أن المشهد لا يقرأ من لحظته العسكرية الأخيرة، ولكن “يجب أن نقرأ المشهد الإيجابي منذ تشكيل حكومة الكفاءات السياسية وإعادة اللحمة اليمنية، وكثيراً من الدعوات التي تتحدث عن الضرورة الملحة لتوحيد الصف الجمهوري، وحديث رئيس الجمهورية بأن كل بندقية تقاتل الحوثي هي بندقيتنا، وكثير من الرسائل الإيجابية لإعادة ترتيب المشهد نرى نتائجها في ما شهدناه في شبوة ومأرب، وسنشهده غداً في مدن أخرى”.

طلقات لبندقية واحدة 

استوقفت الوزير حول مقولة الرئيس هادي بأن كل بندقية تقاتل الحوثي هي بندقيتنا، وسألته عن إمكان وجود إجراءات معينة من الممكن البناء عليها نحو توحيد التشكيلات العسكرية كافة، سواء التي في الساحل الغربي وقوات العمالقة والنخبة وغيرها، وفقاً لاتفاق الرياض، فيؤكد “هذا الأمر هدفاً استراتيجياً للشرعية، وكل النقاشات التي قبل توقيع الاتفاق كان هدفها الرئيس توحيد التشكيلات العسكرية ضمن قوام المؤسسة العسكرية والأمنية، وجرى البدء بالشق السياسي التمهيدي الذي يحضر للشق العسكري، ولكن مع الأسف في جانب توحيد التشكيلات العسكرية بمعناه الحرفي لم يتم، ولكن صار هناك توحيد للهدف”.

التهتك الحالي والتشوه السابق

وفي ظل ما يتردد عن عراقيل معينة تعترض جهود السعودية لطي صفحة الخلاف في بيت الشرعية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، يعتبر “أن ما نشهده اليوم من اختلاف هو نتاج لتشوهات سابقة في الممارسات السياسية، نتج منها تهتك في النسيج الاجتماعي وعوامل عدم ثقة بين أطراف كثيرة بمشاريع سياسية متصارعة، وفراغات استغلت من بعضهم، وهناك جملة من الأسباب قادت إلى هذا الحال”.

وتحدث بما جرى في “2015 عندما جاء الحوثي وأسقط الدولة بمؤسساتها كافة، وكانت هناك محافظات كاملة لا توجد بها أجهزة أمنية، وكانت تُحكم من الأمن المركزي (أكبر جهاز أمني يديره أقرباء الرئيس اليمني الراحل علي صالح)، ثم اكتشف أهالي هذه المحافظات أن هذه الوحدات الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تحميهم، تحولت بسرعة إلى أداة في يد الحوثي واحتلت مدنهم، ولهذا حصل فراغ أمني كبير، وملئ في لحظة غياب الدولة بداية من المقاومة الشعبية التي تشكلت ثم تحولت إلى مشاريع سياسية، وعندما عادت الدولة جاءت على هذا الوضع غير السوي”.

في نظر الحكومة يعتقد أن هذا الوضع غير السوي “بحاجة إلى وقت وتعزيز مفهوم حضور الدولة”.

الحلحلة والخندق 

كان لافتاً تطرق الوزير إلى جهود “توحيد الصف العسكري والسياسي في مواجهة المشروع الحوثي الإيراني”، وفي شأن سير تنفيذ اتفاق الرياض مع ما يتردد أن الشرعية هي الطرف الأحادي المنفذ له، يجيب أن “الحكومة هي الأكثر التزاماً بالتنفيذ المتتابع لتراتبية الاتفاق والاستجابة للحرص الكبير من أشقائنا في التحالف العربي، تحديداً في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وقدمنا كثيراً من الخطوات، مثل تشكيل الحكومة قبل تنفيذ بعض الترتيبات الأمنية، وعلى الرغم من أحداث عدن واقتحام قصر معاشيق (قصر الرئاسة ومقر وجود الحكومة في عدن)، عادت الحكومة إلى عدن، والرئيس وجه الحكومة بالعودة والعمل ولملمة الأمور بغض النظر عن تنفيذ هذه القضايا، لكن دعني أقول إن المشهد إجمالاً يشهد بوادر إيجابية وحلحلة، ويشهد التزاماً سمعناه من كل شركائنا انطلاقاً من الإدراك السليم الذي وجدناه للأخطار المشتركة”.

ويكشف الرجل الذي يوصف بأنه أحد أكثر الرجالات قرباً من الرئيس هادي عن تقارب كبير مع المجلس الانتقالي، “نحن اليوم والانتقالي في خندق واحد، وهم جزء من الشرعية، ولدينا أيضاً أهداف مشتركة جوهرية وتنمية اقتصادية تم التوافق عليها في إطار حكومة الكفاءات، وأهداف متعلقة باستكمال استعادة الدولة، وهذا هدف لكل الأطراف”.

وعن دوافع تفاؤله يقول، “أعتقد جازماً أن النيات طيبة، ولكن النيات وحدها لا تكفي”.

ويتابع، “النيات بحاجة إلى ترتيبات وإلى إعادة عناصر بناء الثقة، وترتيبات تنسيقية ومسألة توحيد كل الوحدات الأمنية والعسكرية تحت راية الدولة، وهذا هدف استراتيجي ضامن لأي انحراف مستقبلي”.

استعادة الدولة أولاً

لم يعد خافياً تباينات الشرعية التي تمتد أحياناً إلى داعميها في التحالف العربي، ولكن “الأشقاء في السعودية والإمارات تحدثوا إلينا بكل وضوح عن أهمية توحيد الصف ونبذ الخلافات، وشاهدنا المؤتمر الصحافي المشترك الأخير لمتحدث التحالف العربي العميد تركي المالكي مع محافظ شبوة عوض بن الوزير، الذي أكد أهمية أن يتحد اليمنيون بكل فصائلهم للتسريع بالقضاء على المشروع الحوثي، وهو الخطاب ذاته الذي نسمعه في الغرف المغلقة، ونحن وهم نؤكد على أن الحوثي ضعيف، ولكنه استقوى بتفرق الأطراف اليمنية، ولهذا فليس لدى أي طرف، وتحديداً نحن في الحكومة الشرعية، أي نية لإلغاء أو إقصاء أي طرف آخر، ونؤكد دائماً على أن اليمن يتسع للجميع، وأنه لا يمكن أن ننهض ببلادنا ونستعيد دولتنا وتعالج المعضلات التي حدثت كافة إلا بتكاتف كل القوى”.

ومع أن هذا الحديث الإيجابي لا يلغي نتوءات الواقع، فـ “بالتأكيد لا ننكر أن هناك مشاريع سياسية مختلفة، ولكننا نقول بأن علينا أولاً أن ننهي الحرب ونستعيد مؤسسات الدولة وننشئ دولة ضامنة تسمح لكل الرؤى السياسية أن تتحاور على قدر واحدة من المساواة، وما سيقرره اليمنيون وما يُتفق عليه هو ما سيتم”.

أبوظبي… دعم لا محدود 

ويشيد وزير الخارجية اليمني بعلاقة حكومته بدولة الإمارات عقب ما أُشيع عن تباينات بسبب مواقف كيانات سياسية تختلف مع الشرعية حسبت نتيجة ظروف معينة على أبوظبي، ولكن “الحق أن الموقف الرسمي لدى الأشقاء في الإمارات ممتاز، ودائماً يؤكدون على دعم واحترام سيادة اليمن ووحدته واستقراره وشراكة حقيقية مع الحكومة الشرعية، وهذا الكلام لطالما سمعته شخصياً خلال زياراتي للإمارات من قيادات الصف الأول للدولة وجميع نقاشاتنا إيجابية جداً”.

ويستطرد، “لم أكن في قوام الوفد الحكومي الرسمي الذي زار الإمارات أخيراً برئاسة رئيس الوزراء، ولكنني سمعت من زملائي الوزراء الحاضرين كلاماً إيجابياً حول نتائج الزيارة التي سنرى ثمارها في قادم الأيام، وعليه سنبني على هذه الحال ونتقدم فيها، ولا يخفى أن السنوات الماضية محملة بالتراكمات التي خلقت قراءات مختلفة وحالاً من عدم الثقة، ولم نصل إلى مرحلة رفع السلاح (في إشارة لجولتي الصراع الدامي التي جرت بين القوات التابعة للحكومة والقوات الموالية للمجلس الانتقالي خلال عامي 2018 و 2019) إلا نتيجة سوء فهم كبير يجب أن نعالجه”.

ثقل سنين الصراع

إضافة إلى سوء الفهم وأزمات الثقة، هناك تراكمات رحلت من فترات الصراع السياسي أنتجت حالاً من الاحتقان التاريخي في المحافظات الجنوبية “نتيجة ممارسات سياسية كثيرة يجب أن لا تحمل فيها الحكومة ولا الشعب اليمني ولا مشروعه الجامع المسؤولية، فهناك ممارسات حدثت سابقاً وحالياً من قبل كل الأطراف، وهو ما يستدعي وجوب أن نستوعب هذه المرحلة التاريخية وخطورتها على الجميع، ونعالجها انتصاراً للثوابت التي ضحى من أجلها شعبنا”.

تغير دولي ملحوظ

في تقويمه لردود الفعل الدولية إزاء ما تحققه الشرعية اليمنية أخيراً من تقدم عسكري في أكثر من جبهة وميدان، خصوصاً مع ما يردده مسؤولون حكوميون أن المجتمع الدولي لا ينادي بوقف القتال إلا عند تحقيق الشرعية تقدماً ميدانياً على حساب الميليشيات، يرى بأن هذه “المواقف تغيرت أخيراً مقارنة مع مواقفها السابقة بشكل كبير لمصلحة قضية الشعب اليمني”.

تفكيك حجج “العدوان والحصار” 

بمقارنة هذا الطرح مع ما يسمعه في أروقة المحادثات المغلقة، “خلال جولة أوروبية وغربية واسعة قمت بها أخيراً وتكلمت معهم بصراحة بأننا لا نخشى السلام وهو خيارنا الاستراتيجي، بينما الحوثي هو من يتهرب من دعوات السلام ويتكلم على مفردتين هما العدوان والحصار، ولكننا نجحنا في تفكيك هذه الحجج وتفنيدها بالتفصيل، ولهذا أصبح هناك تفهم كبير جداً من الدول كافة حول الموقف اليمني والحجج الحوثية المزيفة،

ولذلك فالعالم لا يمكن له أن يدعم عملية عسكرية، ولا تتوقع أن يأتي المبعوث الأممي ويتحدث عن عملية عسكرية، وعندما يطالبون بخفض التصعيد فنحن نستجيب ونثبت لهم أن هناك طرفاً هو المعتدي ومستمر في عدوانه على أساس فئوي عقائدي وخرافات، ونحن ملزمون بالدفاع عن شعبنا ودولتنا وبلدنا أمامه”.

حجة الحق الإلهي

وبالنظر إلى “مشكلتنا الأساس مع الحوثي بادعائه الحق الإلهي وفرضية الولاية التي يسوقها ويحشرها في عقول أجيال البلاد وتتحدث عنها جميع وسائل الإعلام الخاصة به”، يتساءل بالصيغة ذاتها التي يوجهها لنظرائه في العالم “هل الحوثي مستعد صراحة أن يعلن نفسه طرفاً سياسياً ويتخلى عن السلاح وفكرة الحق الإلهي في السلطة؟ الإجابة حتماً ستكون لا، لأنه من دون السلاح لا شيء، ولن يحقق أي مكسب ذاتي”.

تشاور سياسي مباشر 

وبما أن الدبلوماسية فن من فنون إدارة الصراع وتمثيل الدولة، كان من الموضوعي السؤال عن مستوى التنسيق السياسي الخارجي في ظل تحديات كثيرة تواجهها المنطقة والرؤى المشتركة مع دول التحالف العربي في هذا الإطار، الذي وصفه “بالممتاز والمنسجم بصورة تامة ومتطابقة، ولدي تنسيق مباشر مع نظرائي في دول مجلس التعاون الخليجي”.

ويتابع، “حضرت قبل شهرين اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي مشاركاً رئيساً، وأخيراً وقعنا مع عدد كبير من الأشقاء وعواصم العالم بروتوكولات للتشاور السياسي المباشر مثل السعودية ومصر والكويت والإمارات وغيرها، والأهم من هذا أعدنا اليمن إلى اجتماعات مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ضمن دائرة الحوار الاستراتيجي للمرة الأولى منذ العام 2015”.

وقفنا في وجه الابتزاز

وعن حقيقة ما يردده قطاع من الدبلوماسيين والناشطين حول ممارسات ابتزاز دولية للتحالف العربي الداعم للشرعية، وموقف الخارجية اليمنية التي “واجهت شبكات معينة تحاول أن تحمّل الحكومة والتحالف تبعات الأزمة الإنسانية في محاولة للابتزاز أو للضغط علينا لمصلحة الميليشيات، ولكننا نعرف تحركاتهم ونجحنا في عدم التجديد للجنة الخبراء التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهو ما نعتبره انتصاراً سياسياً كبيراً في هذا الجانب”.

إيرلو… الموت المجهول 

تعددت السرديات عن أسباب موت الضابط الإيراني المعين سفيراً لدى الحوثيين بصنعاء حسن إيرلو، ولكن “ليس هناك خبر قطعي في هذا الأمر، فهناك أكثر من رواية، ولكن الأكثر تداولاً أنه أُسعف وهو في حال صحية سيئة من دون معرفة السبب”.

وعن طريقة إخلائه من صنعاء قال إن “الأشقاء في سلطنة عمان تقدموا بطلب إرسال طائرة ثم استفسرنا عن غرضها، ولم تجب فيما يبدو أنه سحب لطلب إرسال الطائرة، ثم تقدمت إيران بطلب إلى الأشقاء في العراق الذين قاموا بهذا الدور بعد التنسيق مع الأشقاء في التحالف العربي، وأرسلت طائرة إلى صنعاء”.

المشكلة ومقاربات هانس

مع مجيء المبعوث الأممي الجديد هانس غرونبيرغ برز نشاطه من خلال الالتقاء بقطاعات اجتماعية يمنية مثل رجال القبائل والشباب والمرأة، وفي قراءته عن المقاربات التي توصل إليها يرى أنه “منذ مجيء السيد هانس غرونبيرغ جرى الحديث عن توسيع المشاركة والسير على مرحلتين، مرحلة المشاورات مع الأطراف اليمنية كافة، والثانية المفاوضات، واستحسنا جهوده خصوصاً وقد زار مناطق لم يزرها أسلافه كما هو الحال في تعز، التي رأى فيها حجم الحصار ومعاناة الناس وكذا الساحل الغربي”.

ويستطرد، “نحن في الشرعية حريصون أن تكون كل الأصوات اليمنية حاضرة، وهي في النهاية تعكس حجم المأساة التي تسبب بها الانقلاب الحوثي، أما المفاوضات فلا يوجد إلا طرفين، الحكومة الشرعية والانقلابيين، وهو ما زال في مرحلة المشاورات وتكوين الفكرة ويستمع إلى كل الأصوات، وهناك حرص على تمثيل الصوت النسائي بشكل كبير”.

بناء الثقة لا يكفي

وفي تقويمه لخط سير غرونبرغ نحو استكمال الجهود الدولية للتوصل إلى إنهاء الحرب ووضع حد للازمة الإنسانية التي تعصف بالبلد، يشير إلى أن المبعوث الأممي “يتحدث عن ضرورة إعادة المفاوضات إلى أفقها السياسي الشامل منطلقاً من ثلاث قضايا، سياسية واقتصادية وأمنية، ويسعى إلى خوض نقاشات مباشرة مع الحكومة الشرعية ومع الطرف الانقلابي حول هذه القضية، ويعتقد بأن التركيز فقط على إجراءات بناء الثقة من دون مناقشة الحل الشامل لن يقود إلى معالجة المشكلة اليمنية”.

تكمن المشكلة في تعقيدها

يرى ابن مبارك أن الإشكال الرئيس في اليمن اليوم يتمثل في تعقيد المشكلة ذاتها، فيما هي غير معقدة.

وبتفصيل أدق يعتبر أن للمشكلة “سبباً رئيساً متطرفاً هو الحوثي، وهذا في البعد الداخلي، وهناك بعد إقليمي مهم جداً وهو إيران”.

ويوضح، “من دون إدراك الدور الإيراني في تعقيد المشكلة اليمنية وحرصه على إبقاء الملف اليمني رهينة للابتزاز في المشاورات الدولية، ومن دون التعاطي مع سببي المشكلة هذه فلن يتقدم الملف السياسي اليمني نحو الحلحلة”.

وبالمجمل فإن المبعوثين الأمميين كافة مع اختلاف التعبيرات التي ينتهجوها “يتبعون الأسس ذاتها، مثل ضرورة وقف إطلاق النار، ونحن نتحدث عن مفاوضات الحل الشامل ببعده العسكري والسياسي والاقتصادي، ومن جانبنا نحن نرحب بالجهود الأممية والدولية كافة نحو الحل السياسي، ونتعاطى معها بإيجابية وتفاعل صادق، ونؤكد على أن تستند إلى المرجعيات الثلاث، وهو ما أكده المبعوث الحالي وأسلافه”.

السلام تفرضه المدفعية

وفي تقديراته لما ستفضي إليه دعوات التوصل إلى حل سياسي شامل يضع حداً لأوزار الحرب التي أثقلت كاهل اليمنيين قال، “إذا لم تتغير قواعد اللعبة في الأرض عسكرياً فلن يحدث تقدم سياسي في أي مفاوضات”.

ويواصل، “نحن نعتقد أن التقدم العسكري وإسقاط فرضية الحوثي ستساعد في الحل السياسي”.

وهنا يستدل بتوقيع الحوثيون على اتفاق ستوكهولم الخاص بمدينة وميناء الحديدة (2018) “حيث لم يحضر وفد الميليشيات إلا بعد اقتراب القوات اليمنية المشتركة والتحالف العربي من هزيمتهم في الحديدة”.

طريقة إنهاء الحرب

عن الطريقة التي يتوقعها لنهاية الحرب في اليمن يأمل بأن “يكون العام الحالي شاهداً على نهاية الحرب، ومهما طالت الحرب أو قصرت فلا بد من أن يجلس الجميع في النهاية إلى طاولة الحوار، ونحن نحرص بكل جد وصدق على الوصول إلى السلام، ولكن هل سيستجيب الطرف الآخر (الحوثي وإيران) لهذه الدعوات أم لا؟ تجربتنا معهم تقول لا، لن يستجيبوا لصوت السلام”.

وفي حال استمرت “لا الحوثي” أجاب، “سنظل متمسكين بخيار السلام بيد وبالأخرى البندقية، لندافع عن أنفسنا ونحرر أرضنا وسنهزم هذا المشروع، ومع البندقية ستظل الحكومة حريصة على مواصلة جهودها نحو البناء والتنمية”.

واشنطن تتعافى من حمّى الانتخابات

على الرغم من سياستها مع مجيء إدارة الرئيس جو بايدن التي قرأها مراقبون حينها بأنها تساوي بين “الجلاد والضحية” في إشارة للحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي، ورفعها الأخيرة من قوائم الإرهاب الدولية، إلا أن وزير الخارجية اليمني يصف الموقف الأميركي إزاء قضية بلاده اليوم بـ “الممتاز”، ويشير إلى أن قرار رفع الميليشيات من قوائم الإرهاب رد فعل تحت تأثير “الحمى الانتخابية” حينها.

وبهذا الصدد أشاد بالمبعوث الأميركي الخاص تيموثي ليندركينغ، لأنه “شخص مطلع وملم بالملف اليمني، واستطاع أن ينتج مقاربات واقعية للمسألة اليمنية، وكل التصريحات الأميركية تجاه الملف اليمني إجمالاً تؤكد بشكل واضح وجلي مواجهة المشروع الإيراني ودعم الشرعية ووحدة واستقرار اليمن والمرجعيات السياسية، ويتحدثون بوضوح تام أن الحوثيون هم الطرف المعرقل لأي عملية سياسية، كما يدينون بشكل دائم الانتهاكات الحوثية الإنسانية والحقوقية، ولهذا فليس هناك التباس في الموقف الأميركي”.

وتطرق إلى “الجهد الأميركي الكبير الذي كشف وفضح جرائم تهريب السلاح الإيراني من خلال ضبط العديد من شحنات السلاح الايرانية الضخمة في المياه الدولية التي كانت في طريقها إلى المتمردين الحوثيين”.

تفعيل السلك الخارجي

وكشف الوزير عن خطوات منظورة في وزارته تهدف إلى تجديد دماء خارجية بلاده “على صعيدي الكادر والإدارة بهدف تطوير الدبلوماسية اليمنية، ومنها إعادة التوازن في السلك الدبلوماسي بالتمثيل الوطني العادل لأبناء عدد من المحافظات المنسية مثل مأرب وشبوة والبيضاء والجوف وحضرموت والمهرة وغيرها، لأن هذا هو الذي يعزز مفهوم الشراكة الوطنية والانتماء، إضافة إلى تقليص الكادر في ما يختص بالدبلوماسيين والملحقيات الثقافية، لأنه لا يمكن أن يكون أداؤنا إيجابياً في ظل هذا التضخم”.

تغييرات ملء الشواغر

سألته عن البدء بتعيين سفير لدى دولة قطر، فيما ظل التمثيل الدبلوماسي اليمني شاغراً في دول أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وتركيا وغيرها، ولكنه أرجع الأمر “إلى سرعة استجابة الدوحة للرد على طلب الخارجية اليمنية، فيما تم إرسال ترشيحات السفارات المذكورة، ولم نتلق رداً من بعضها حتى الآن”.

وختم الوزير حديثه بلمحة مختصرة عن نشاطه الدبلوماسي خلال المرحلة المقبلة، الذي سيتمثل في لقاءات في اليمن وأخرى ستشمل دول الخليج العربي وأوروبا، وأهمها المشاركة في منتدى ميونخ الذي سيعقد في فبراير (شباط)، وهو أحد أهم المنتديات السياسية في العالم.

الرابط الأصلي للحوار: اضغط هنا