تجنيد الأطفال باليمن.. الحوثيون يغتالون المستقبل

تصر جماعة “الحوثي” الانقلابية على أن تجنيد الأطفال مسألة لا تعدو عن كونها تطيل من عملية بقائها في المشهد من خلال استمرار الحرب غير عابئة بأن تعمل على “تفخيخ المستقبل” الذي يتجسد في هؤلاء الأطفال والذي يريده اليمنيون من دون حروب ودماء.

وحذرت المنظمات الحقوقية في مناسبات عديدة من جريمة تجنيد الأطفال في اليمن، واتهمت جماعة الحوثي بالقيام بذلك دون إعطاء أي اعتبار للمواثيق الدولية التي تجرم عملية تجنيد الأطفال والزج بهم في الحروب.

وكان تقرير أصدرته الأمم المتحدة أواخر العام الماضي، أدان مليشيات الحوثي بممارسة تجنيد واسع للأطفال والدفع بهم إلي جبهات القتال، مشيرة إلي أن عدد الأطفال المجندين في اليمن زاد بنحو 5 أضعاف مقارنة بالعام 2014.

وفي العام المنصرم 2016، قالت تقارير حقوقية يمنية إن جماعة الحوثي جندت ما يقارب 10 آلاف طفل في سابقة خطيرة تهدد الطفولة في اليمن، كما تنتهك كافة المواثيق والأعراف الدولية.

ويرجع أكاديميون وحقوقيون يمنيون ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن إلي عدة أسباب من ضمنها نية الجماعة الحوثية في استمرار القتال دون توقف بالإضافة إلي أن تجنيد الأطفال لا يترتب عليه أعباء والتزامات مالية كبيرة فضلا عن حصول أهالي وأسر الأطفال على المال مقابل تجنيد أبنائها بسبب الأوضاع الاقتصادية.

استهداف منهجي

أستاذ علم الاجتماعي السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان، قال في حديثه عن الظاهرة لـ”بوابة العين الإخبارية” إن تجنيد الأطفال استهداف منهجي من قبل الانقلابين، حيث تتم عملية التجنيد جبرا أو طوعا بوسائل متعددة منها الوعود برقم عسكري ومرتب في المستقبل، علاوة على عدم الشفافية مع أسر الأطفال حيث يتم إخبارهم أنهم لن يشاركوا في المعارك وأنهم سوف يمارسون مهامهم في نقاط التفتيش ليس أكثر، وكل تلك الإجراءات تعد جرائم ضد الإنسانية وفقا لكل المواثيق الدولية ذات العلاقة.

وأضاف أن “هذا الملف يتوجب أن يفرد له الاهتمام من حيث التوثيق وفقا للإجراءات المتعارف عليها دوليا بما يمكن من متابعة الانقلابين في المحاكم الوطنية أو الدولية، كما أن معلومات ذلك الملف يتوجب أن تستثمر في برامج التوعية المجتمعية للأسر والأطفال”.

وتقول منظمة “سياج” لحماية الطفولة في اليمن إنه لا يوجد إحصاءات حول عدد الأطفال المجندين في الحرب الأخيرة الدائرة في اليمن، لكن تقديرات وملاحظات مبنية على مقابلات لمجندين أطفال رصدت وجود زيادة بنسبة 200 بالمائة في ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة في اليمن.

أبعاد متعددة

أما الناشط السياسي، توفيق السامعي، فرأى من جانبه، أن هناك أبعادا متعددة لتجنيد الأطفال في اليمن؛ حيث يعمد الحوثيون إلى تجنيد الأطفال للقتال معهم في الجبهات المختلفة ليتم الزج بهم إلى محارق الحرب وإبقاء الاحتياطي المليشيوي لهم من الذين تم تدريبهم في إيران كقوة احتياطية لا يتم المساس بها، وكذلك إعداد هؤلاء الأطفال ليكونوا الجيش المستقبلي، فهو يعمل على أساس خطة بقاء طويلة الأمد كونه مشروعا أيديولوجيا وليس سياسيا يحقق من خلاله مكاسب سياسية.

سبب ثالث ومهم -بحسب السامعي- وهو أن هؤلاء الأطفال يكونوا متخففين من الحمل والتبعات التي عادة ما تثقل تحركات المقاتلين كالأعباء الأسرية أو الخوف على المصالح التي تعيق قفزتهم إلى الحروب، وكذلك لا يتم تحميل الحوثي تبعات نفقات الأسر وذوي القتلى من الأطفال بعكس لو كانوا أصحاب مسؤوليات عائلية.

وأشار السامعي في حديث “للعين” إلى أن “الأطفال يكونون ناشطي الحركة في الحروب ومنها أيضا التمويه، بحيث أنهم لو واجهوا الجيش النظامي لا يعمد إلى قتل هؤلاء الأطفال باعتبارهم مغررا بهم”.

ولفت إلى أن “ما يترتب على هذا الأمر هو تدمير الأجيال الصاعدة نفسيا وعلميا وتدمير الوطن الذي يخسر من خلال الطاقات الشابة والانصراف عن التعليم والإبداع وخدمة المجتمع، سعيا لهدفهم العام وهو إيجاد شعب جاهل تابع لهم فقط وينفذ أوامرهم”.

ونوه إلى أن “هناك خطوات بعيدة الأمد من تجنيد الأطفال ستؤتي ثمارها مستقبلا في تدمير الجيل الناشئ في الوقت الذي يركزون فيه على تعليم أبنائهم وإرسالهم إلى دول خارجية للتعليم ليعودوا أسيادا على غيرهم، وأطفال العوام من الناس يلقون بهم في محارق الحروب”.

المال بدلا عن التجنيد

وعمد الحوثيون في أكثر من منطقة يمنية إلي إرغام الأسر على تجنيد أطفالها والتي ترفض يتم الضغط عليها لدفع مبلغ مالي يقدر بمائة ألف ريال للجماعة ولأنهم يدركون أن الأسر في شمال اليمن معظمها فقيرة لاسيما في الحديدة وحجة فإن الأسر ترضخ لتجنيد أطفالها في هذه الحالة.

ويعتقد المحلل السياسي، فؤاد مسعد، أنه كلما توسعت مليشيات الحوثي في حربها ضد اليمن واليمنيين زاد تجنيد الأطفال والدفع بهم في جبهات القتال في مختلف المحافظات وإن كان اعتماد الحوثيين على الأطفال هو تعبير أكثر وضوحا عن إفلاسهم من القوة البشرية التي دمرتها الحرب هو أيضا دليل على أن المليشيات نفسها تعيش أزمات مالية كبيرة من خلال مطالبتها الأسر التي ترفض مشاركة أبنائها في القتال بدفع مبالغ مالية كبيرة، ولم يسبق لأي مليشيات أن فعلت ما تمارسه مليشيات الحوثي.

وقال مسعد “للعين” إن ما يحدث يؤكد أن الحوثيين لا يعرفون ولا يقدرون المبادئ والقيم الإنسانية التي تحرم تجنيد الأطفال أو استغلالهم لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية.

وأشار إلي أن جماعة الحوثي منذ نشأت وهي تقوم على تضليل المجتمع وخداعه وتصدير الأوهام والخرافات، وكان الأطفال أبرز ضحايا التضليل الحوثي الذي بدأ باستدراجهم إلى صفوف الجماعة بوسائل وأساليب مختلفة.